الحمد لله الذي فرض الصلاة وجعلها قرة عين العابدين، وحلية المتقين، وملاذ المؤمنين، تستريح فيها نفوسهم، وتطمئن بها قلوبهم، ويزداد خشوعهم وخضوعهم لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المسلمون: الخشوع هو لين القلب وحضوره بين يدي الله سبحانه، وسكون النفس واستكانة الجوارح بطاعة الله تعالى، وقد عظم الإسلام من شأنه، فجعله وصفا لعباده الصالحين، قال الله تعالى
إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) وقال عز وجل
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من القلب القاسي الذي لا خشوع فيه، فيقول:« اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع».
وأرجى أنواع الخشوع وأفضلها ما كان في الصلاة، فهو سبب للفوز والفلاح والتوفيق والنجاح، قال الله تعالى
قد أفلح المؤمنون* الذين هم فى صلاتهم خاشعون)
وهو علامة للإيمان وسبب للعفو والغفران، قال صلى الله عليه وسلم :« ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله».
والخشوع في الصلاة هو حظ المسلم من صلاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها».
عباد الله: ومحل الخشوع هو القلب، فإذا خشع القلب انقادت له الجوارح بالطاعة والقبول، وأدت ما عليها بهمة لا تزول، وقد رأى سعيد بن المسيب رجلا وهو يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
ومما يعين على خشوع الجوارح تحقيق الطمأنينة في الصلاة بأداء أركانها بتمامها كما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تجزئ صلاة لأحد لا يقيم صلبه في الركوع والسجود». وتحقيقا لمعنى الطمأنينة في الصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه:« خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي».
ويتحصل الخشوع في الصلاة باستحضار جلال الموقف بين يدي الله تعالى، فلا يلتفت المصلي إلى يمينه ولا إلى شماله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت»
فإن الالتفات عن الصلاة مما ينافي تمام الخشوع فيها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أسوأ الناس سرقة الذى يسرق من صلاته». قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال:« لا يتم ركوعها ولا سجودها - أو قال- لا يقيم صلبه في الركوع والسجود».
ولذلك كان الصالحون يتهيبون من هذا الموقف ويستعدون له، قال أحد العلماء: الخشوع خفض الجناح، وسكون الأطراف، وترك الالتفات من هيبة الله تعالى، وكان أحدهم إذا قام إلى الصلاة يهاب ربه فلا يلتفت، ولا يعبث بشيء من جسده، ولا يحدث نفسه بشيء من الدنيا حتى ينصرف.
أيها المؤمنون: ومما يعين على الخشوع تعظيم قدر الصلاة وعدم الانشغال عنها بغيرها، فإن الانشغال عنها يفتح أبواب الدنيا في قلب المصلي فيشتد عليه الشيطان فلا يعقل من صلاته شيئا.
وتدبر الآيات في الصلاة من أعظم أسباب الخشوع فيها، فكلما ازداد تدبر المصلي لما يقرأ أو يقرأ الإمام من آيات في الصلاة ازداد إيمانه وخشوعه، قال الله تعالى
وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا)
فاللهم اجعلنا ممن إذا قام إلى الصلاة خشع، وإذا وقف بين يدي الله استكان وخضع، وإذا ذكر بالله استمع، وإذا أعطي قنع، وإذا تعلم انتفع، اللهم وفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الخشوع ليس في الهيئات والحركات، وإنما في خضوع القلب وتدبر الآيات، فتغدو جوارح المصلي منقادة لأمر الله، فتتحقق ثمرة الصلاة بخشوع يبعث السكينة في الوطن، فتتراحم الأسر فيما بينها، ويرحم الرجل أهله وأبناءه، ويعطف الغني على الفقير، ويتسامح الناس فيما بينهم فيعفو بعضهم عن بعض، ويلتزم المصلي الخير في سلوكه، وينأى بنفسه عن الشر والمنكر، فيغدو المجتمع آمنا مطمئنا، وهي الغاية المقصودة من الصلاة، قال تعالى
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
فالخشوع الصادق ما حرك القلب واستجابت له الجوارح، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع. وقد نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه، فقال: يا هذا ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم إنا نسألك علما نافعا، وقلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، ورزقا طيبا واسعا، وعملا صالحا متقبلا، وعافية في البدن، وبركة في العمر والذرية، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، الشيخ خليفة ونائبه لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم أدم على دولة الإمارات الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).تنبيه وارد من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلقى عقب صلاة الجمعة 8/2/2013
أيها المسلمون: أطلقت وزارة الداخلية مبادرة توعوية لحماية عملاء البنوك من السرقة، لتنبه الجمهور إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر عند سحب الأموال، فيجب إخفاؤها بعيدا عن أعين الفضوليين ونقلها بحرص شديد إلى السيارة، وعدم ترك السيارة في الأماكن العامة وبداخلها الأموال، والإبلاغ عن أي شخص أو سيارة تتعقب العميل، كما ينصح المسنون والنساء بعدم سحب المبالغ الكبيرة أو التنقل بها بمفردهم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.