- طرح المشكلة :
تعد اللغة بمثابة الوعاء الذي يصب فيه الفرد أفكاره ، ليبرزها من حيز
الكتمان الى حيز التصريح . لكن البعض أعتقد ان اللغة تشكل عائقا للفكر ،
على اعتبار أنها عاجزة عن إحتوائه والتعبير عنه ، مما يفترض تبني الاطروحة
القائلة ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ، ولكن كيف يمكن الدفاع عن هذه
الاطروحة ؟
II- محاولة حل المشكلة :
1- أ - عرض الاطروحة كفكرة :
يرى أنصار الاتجاه الثنائي ، أن هناك انفصال بين الفكر واللغة ، و أنه لا
يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ ، حيث ان ما يملكه الفرد من
أفكار و معان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ وكلمات ، مما يعني ان اللغة لا
تستطيع ان تستوعب الفكر او تحتويه ، ومن ثــــمّ فهي عاجزة عن التبليغ او
التعبير عن هذا الفكر .
1- ب - مسلمات الاطروحة : الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ، بحيث ان الانسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه .
1- ج – الحجة : كثيرا
ما يشعر الانسان بسيل من الخواطر والافكار تتزاحم في ذهنه ، لكنه يعجز عن
التعبير عنها ، لانه لا يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي لبيانها ، وعلى هذا
الاساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر ابرزا تاما
وكاملا ، يقول أبو حيان التوحيدي : " ليس في قوة اللغة ان تملك المعاني "
ويقول برغسون : " اننا نملك افكارا اكثر مما نملك اصواتا "
- اللغة
وُضعت اصلا للتعبير عما تواضع او اصطلح عليه المجتمع بهدف تحقيق التواصل
وتبادل المنافع ، وبالتالي فهي لا تعبر الا على ما تعارف عليه الناس ( أي
الناحية الاجتماعية للفكر ) ، ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة وذاتية
من عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها ، لذلك كانت اللغة عاجزة عن نقل ما
نشعر به للآخرين ، يقول فاليري : أجمل الافكار ، تلك التي لا نستطيع
التعبير عنها .
- إبتكار الانسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير عنه .
2- تدعيم الاطروحة بحجج شخصية ( شكلا ومضمونا ) :
تثبت التجربة الذاتية التي يعيشها كل انسان ، أننا كثيرا ما نعجز عن
التعبير عن كل مشاعرنا وخواطرنا وافكارنا ، فنتوقف اثناء الحديث او الكتابة
بحثا عن كلمة مناسبة لفكرة معينة ، أو نكرر القول : " يعجز اللسان عن
التعبير " ، او نلجأ الى الدموع للتعبير عن انفعالاتنا ( كحالات الفرح
الشديد ) ، ولو ذهبنا الى بلد اجنبي لا نتقن لغته ، فإن ذلك يعيق تبليغ
افكارنا ، مما يثبت عدم وجود تناسب بين الفهم والتبليغ .
3- أ – عرض منطق خصوم الاطروحة :
يرى انصار الاتجاه الاحادي ، أن هناك اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ، وهما
بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة ، فاللغة والفكر شيئا
واحدا ، بحيث لا توجد افكار بدون الفاظ تعبر عنها ، كما انه لا وجود لالفاظ
لا تحمل أي فكرة او معنى . وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ،
على الاعتبار ان الانسان بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره . كما أثبت علم
النفس ان الطفل يولد صفحة بيضاء خالية من أي افكار و يبدأ في اكتسابها
بموازاة مع تعلمه اللغة . وأخيرا ، فإن العجز التي توصف به اللغة قد لا
يعود الى اللغة في حد ذاتها ، بل الى مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة
لغوية تمكنه من التعبير عن افكاره .
3- ب – نقد منطقهم :
لكن ورغم ذلك ، فإن الانسان يشعر بعدم مسايرة اللغة للفكر ، فالادباء مثلا
رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ ، وعلى مستوى الواقع
يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين الفكر واللغة .
III- حل المشكلة :
وهكذا يتضح ان هناك شبه انفصال بين اللغة والفكر ، باعتبار ان الفكر اسبق
واوسع من اللغة ، وان اللغة تقوم بدور سلبي بالنسبة له ، فهي تعيقه وتفقده
حيويته ، مما يعني ان الاطروحة القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر
وتعيقه " اطروحة صحيحة
.
مقالة حول اللغة أيضا : السؤال : يقول هيبوليت : « إذا فكرنا بدون لغة ، فنحن لا نفكر » دافع عن الأطروحة التي يتضمنها القول . الاستفصاء بالوضع
i - طرح المشكل : اذا كانت اللغة اداة للفكر ، بحيث يستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة ؟
ii - محاولة حل المشكل :
1-أ-
عرض الموقف كفكرة : ان الفكر لا يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ،
إذ لا وجودلأفكار لا يمكن للغة ان تعبر عنا ، حيث أن هناك – حسب انصار
الاتجاه الاحادي - تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن عالم الافكار
يتناسب مع عالم الالفاظ ، أي ان معاني الافكارتتطابق مع دلالة الالفاظ ،
فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ،
واللغة فكر ناطق » .
1- ب- المسلمات : البرهنة: ما يثبت ذلك ، ما اكده
علم نفس الطفل من ان الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية افكار ،
ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما يصل الى مرحلة النضج
العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها ، فالافكار لا ترد الى الذهن مجردة ،
بل مغلفة باللغة التي نعرفها فـ« مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر
الانسان ، فإنها لا تستطيع ان تنشأ وتوجد الا على مادة اللغة ».
ومن جهة
ثانية ، فإن الافكار تبقى عديمة المعنى اذا بقيت في ذهن صاحبها ولم تتجسد
في الواقع ، ولا سبيل الى ذلك الا بألفاظ اللغة التي تدرك ادراكاً حسياً ،
أي ان اللغة هي التي تخرج الفكر الى الوجود الفعلي ، ولولاها لبقي كامناً
عدماً ، ولذلك قيل : « الكلمة لباس المعنى ، ولولاها لبقي مجهولاً » .
وعلى
هذا الاساس ، فإن العلاقة بين الفكر واللغة بمثابة العلاقة بين الروح
والجسد ، الامر الذي جعل الفيلسوف الانجليزي ( هاملتون ) يقول : « الالفاظ
حصون المعاني » .
2- تدعيم الاطروحة بحجج : أن اللغة تقدم للفكر القوالب التي تصاغ فيها المعاني .
- اللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصريح .
- اللغة عماد التفكير وكشف الحقائق .
- اللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة ، وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
- اللغة اداة لوصف الاشياء حتى لا تتادخل مع غيرها .
3-أ-
عرض منطق الخصوم : يزعم معظم الفلاسفة الحدسانيون والرمزيون من الادباء
والفنانين وكذا الصوفية ، انه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم
الالفاظ ، فالفكر اوسع من اللغة واسبق منها ، ويلزم عن ذلك ان ما يملكه
الفرد من افكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظٍ وكلمات ٍ ، مما يعني
انه يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة .
ويؤكد ذلك ، ان الانسان كثيرا
ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني تتزاحم في ذهنه ، وفي المقابل لا
يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني . كما قد يفهم امرا من
الامور ويكون عنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ، فإذا شرع في التعبير
عما حصل في ذهنه من افكار عجز عن ذلك . كما ان الفكر فيض متصل من المعاني
في تدفق مستمر لا تسعه الالفاظ ، وهو نابض بالحياة والروح ، وهو " ديمومة "
[2] لا تعرف الانقسام أو التجزئة ، أما الفاظ اللغة فهي سلسلة من الاصوات
منفصلة ، مجزأة ومتقطعة ، ولا يمكن للمنفصل ان يعبر عن المتصل ، والنتيجة
أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة فاقدة للحيوية ، لذلك قيل : « الالفاظ
قبور المعاني » .
نقد منطقهم : ان اسبقية الفكر على اللغة مجرد اسبقية
منطقية لا زمنية ؛ فالانسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد . والواقع
يبين ان التفكير يستحيل ان يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن
تصورات لا اسم لها ؟ وكيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا اندراجها في
قوالب لغوية ؟
iii - حل المشكل :وهذا يعني انه لا يمكن للفكر ان
يتواجد دون لغة ، وان الرغبة في التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل – هي
محاولة عديمة المعنى ، فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح ،
مما يؤدي بنا الى القول ان الاطروحة السابقة اطروحة صحيحة .